"القذافي شكله مش فاهم ومش ناوي يفهم" ..

كتب سعد حتر - في عام 1996 كنت بين حفنة
صحافيين سألوا الملك الراحل الحسين بن طلال عن رأيه بقرار الزعيم "الأوحد"
بطرد 30 ألف فلسطيني نحو معبر السلّوم مع مصر، في عاصفة غضب عقب اتفاقات
الحكم الذاتي بين إسرائيل والراحل ياسر عرفات.

في ذلك الوقت، استدار الحسين ببطء وأجاب بابتسامة حملت مرارة وعمقا إنسانيا: "أنا لست القذافي، والأردن ليست ليبيا في عهده السعيد".

تلك
الجملة ما انفكت ترن في أذني كلما استذكرت الحسين ومواقفه، وتابعت
"تخبيصات" القذّافي مثار التندّر والتفكّه، ونهفاته المفاجئة في القمم
العربية ، بدء من سلخ بلاده عن محيطها العربي وتنصيب نفسه "ملك ملوك
إفريقيا".

حين فر زين العابدين بن علي من تونس، صب القذّافي جام
غضبه على شعب جارته في خاصرة بلاده الشرقية، وحذّره من عواقب إزاحة
الدكتاتور وعقيلته.

ولمّا انتقلت الشرارة إلى القاهرة، حرصت على
متابعة "التفاهات" التي يبثها تلفزيون "الجماهيرية" العظمى. لاحظت أن معظم
التقارير تمحورت حول خروج "زمرة من قطاع الطرق والبلطجية لتخريب البلد
وسرقة منجزاته".

وفي الختام، يحذّر "الصحافيون" الفطاحل الشعب
الليبي من هكذا نهايات إن هم تمثلوا بالشعب المصري في "خرق القانون"
والإستقواء على القائد "الفذ". يعني باختصار، اختزلت أبواق القذافي
المدوزنة ثورتي الياسمين واللوتس، إلى حفنة مارقين "تريد تخريب البلدين".
لكن يوم الحساب لم يتأخر عن طرابلس.

تابعت خطاب القذّافي
وانفعالاته المسرحية. صدمني حين قال إنه لمّا يستخدم القوّة بعد، مع أن
القتلى سقطوا بالمئات. وأضحكني حين حمّل شعبه "جميلا"، صارخا: "أنا مجرد
قائد ثورة مجيد، ولو كنت رئيسا لاستقلت". وقبله، ظهر ابنه ملوحا بأصبعه، في
إشارة تهديد ووعيد لشعب تحمّل طيش أبيه وجبروته 42 عاما. فعلى من يضحك؟
ومن سيردعه؟ لا تعّولوا كثيرا على أمريكا وسائر الغرب الذي تسيّره شركات
عابرة القارات ورساميل معولمة. فليبيا، البقرة الحلوب صاحبة الخيرات
المنهوبة، ليست كجارتيها الفقيرتين.

المخزي أن الرئيس الديمقراطي
باراك أوباما – حامل جائزة نوبل استباقية للسلام- يعّلق على مجازر القذافي
بخجل وعلى استحياء في الوقت الذي تستخدم بلاده حق النقض لإجهاض مشروع قرار
فلسطيني يدين سرطان الاستيطان لدى مجلس الأمن.

ممارسة لا أخلاقية تتعارض مع موقف واشنطن الرسمي وجميع القرارات الأممية.

مركز حماية وحرية الصحفيين نبّه في عمّان إلى أن الصحافيين في ليبيا
يتعرضون للتهديد والاعتداء. كما نقل عن "تقارير مؤسسات حقوقية اختفاء
واعتقال صحافيين لم يعرف مصيرهم أو عددهم بسبب حجب وسائل الاتصال". الساعات
المقبلة ستكون حاسمة.

نصلي كيما يحمي الله هذا الشعب من جلاوزة الدكتاتور، وينهي كابوسه بأقل الضحايا.

تقول
نكتة سريالية: بن علي قال لشعبه "الآن فهمتكم" بعد 200 قتيل، مسترجعا
مقولة الجنرال تشارل ديغول التاريخية عشية استقلال الجزائر عن الاستعمار
الفرنسي.

وحسني مبارك فهم شعبه بعد 300 قتيل. لكن الخوف كل الخوف أن يبقى القذافي بدون فهم.