وإن لدى العواجز لحكمة

يحكى أن أحد الملوك قد خرج ذات يوم مع وزيره متنكرين، يطوفان أرجاء المدينة، ليروا أحوال الرعية،

فقادتهم الخطا إلى منزل في حارج المدينة، فقصدا إليه، و لما طرقا الباب،
خرج لهما رجل عجوز دعاهما إلى ضيافته، و أكرمهما ايما كرم .. و قبل أن
يفارقا الرجل ،

قال له الملك : لقد وجدنا عندك الحكمة والوقار، فنرجوا أن تزوّدنا بنصيحة

فقال الرجل العجوز : لا تأمن للملوك ولو توّجوك

فأعطاه الملك وأجزل العطاء ثم طلب نصيحة أخرى

فقال العجوز: لا تأمن للنساء ولو عبدوك

فأعطاه الملك ثانية ثم طلب منه نصيحة ثالثة

فقال العجوز: أهلك هم أهلك، ولو صرت على المهلك

فأعطاه الملك ثم انصرف مع الوزير

وفي طريق العودة إلى القصر أبدى الملك استياءه من كلام العجوز وأنكر كل تلك الحكم، وأخذ يسخر منها

أراد الوزير أن يثبت للملك صحة ما قاله العجوز، فنزل إلى حديقة القصر،
وسرق عصفورا كان الملك يحبه كثيراً، ثم أسرع إلى زوجته يطلب منها أن تخبئ
العصفور عندها، ولا تخبر به أحداً

بعد عدة أيام طلب الوزير من زوجته أن تعطيه العقد الذي في عنقها كي يضيف إليه بضع حبات كبيرة من اللؤلؤ، فسرت بذلك، وأعطته العقد

ومرت الأيام، ولم يعد الوزير إلى زوجته العقد، فسألته عنه، فتشاغل عنها،
ولم يجبها، فثار غضبها، واتهمته بأنه قدم العقد إلى امرأة أخرى، فلم يجب
بشيء، مما زاد في غضبها

أسرعت زوجة الوزير إلى الملك، لتعطيه
العصفور ، وتخبره بأن زوجها هو الذي كان قد سرقه .. فغضب الملك غضباً
شديداً، وأصدر أمراً بإعدام الوزير

ونصبت في وسط المدينة منصة الإعدام، وسيق الوزير مكبلاً بالأغلال، إلى حيث سيشهد الملك إعدام وزيره،

في الطريق مرّ الوزير بمنزل أبيه وإخوته ، فدهشوا لما رأوا، وأعلن والده
عن استعداده لافتداء ابنه بكل ما يملك من أموال، بل أكد أمام الملك أنه
مستعد ليفديه بنفسه

أصرّ الملك على تنفيذ الحكم بالوزير، وقبل أن
يرفع الجلاد سيفه، طلب أن يؤذن له بكلمة يقولها للملك .. فأذن له، فأخرج
العقد من جيبه، وقال للملك، ألا تتذكر قول الحكيم:

لا تأمن للملوك ولو توّجوك

ولا للنساء ولو عبدوك

وأهلك هم أهلك ولو صرت على المهلك

أدرك الملك أن الوزير قد فعل ما فعل ليؤكد له صدق الحكم الى قالها الشيخ العجوز

_______________

الخلاصة:

1- تقدير الملوك و القرب منهم رهن بمصلحتهم .. متى استشعروا غير ذلك ذهب القرب و ذهب التقدير

2- من الازواج و الزوجات من ينقلب الى عدو لدود فينتقل من عشق و هيام الى هجر و خصام .. و العاقل من تدبر للايام

3- مهما حدث و مهما كان لا يوجد اكثر حرصا على الانسان من ابيه و امه