zahranshakkah Admin
الاوسمة
عدد المساهمات : 1985 تاريخ التسجيل : 10/10/2010 العمر : 49
| موضوع: ربيع في القاهرة.. خريف في تونس الثلاثاء فبراير 01, 2011 5:09 pm | |
| حسن بلال التل
لطالما كان عندي اعتقاد راسخ, كنت وما زلت أعلنه خاصة للأصدقاء والمعارف من المصريين, أن مصر هي نبض هذه الأمة وإن مات الشعب المصري فقد متنا, وكنت وما زلت أقول للمصريين بالذات: إذا حكم جمال مبارك مصر فهذا بمثابة إصدار شهادة وفاة لمصر ومعها الأمة.
فمصر رغم كل ما جرى فيها منذ إنقلاب عبد الناصر وإسقاط الملكية, ما ظهر منه وما بطن, كانت دوما حية, وربما لا يزال الكثيرون يذكرون كيف أن شعب مصر أجبر الرئيس أنور السادات على أن يظل لمدة ثلاثة أيام معلقا بين الارض والسماء في طائرة مروحية عندما لفظته أرض مصر كلها, فلم يجد إلا قاعدة عسكرية مختفية في صحراء الجيزة, لا لتؤيه, بل لتسمح له بتزويد طائرته بالوقود, فيما ثورة الخبز تشعل شوارع مصر الكنانة, وكادت أن تقضي على السادات لولا أنه رضخ إلى أبعد حد, ذاته السادات الذي يُجمع عدد ممن عرفوه أنه أبرم معاهدة السلام مع إسرائيل نكاية بالشعب المصري بعد تلك الثورة, حيث لم يجد انتقاما يشفي غليله فيه من المصريين أكبر من توقيع تلك المعاهدة فيما دماء شهداء حرب رمضان لم تجف بعد, وحتى هذه لم يفوتها له المصريون, ودفع حياته ثمنا لامتهان كرامة شعبه. واليوم عادت مصر وشعب مصر ليقولا لأبناء أمتنا العربية: لا تفقدوا الأمل.. نعم نحن أحياء, وأنتم أحياء.
فالمدن المصرية تقف واحدة بعد أخرى نافضة عن أكتافها غبار سنوات من السقوط تحت نير الظلم والقهر والإفقار, وشعب مصر الذي استغرب كثيرون صمته الذي طال, نطق أخيرا, فكان في نطقه القول الفصل.
صحيح أن المشهد لم يتضح بعد, والمتابعون لسياسات ونهج الرئيس مبارك يعرفون أن مسألة تنحيه أصعب مما يظن الكثيرون, وقد لا يتنحى بالفعل, لكن هذا الحراك وخلال أيام لم تصل الى اسبوع أجبره على التراجع عن سياسة أصر عليها طوال 30 سنة بتعيينه نائبا لرئيس الجمهورية, كما أجبره على إقالة الحكومة, وتصحيح عضوية مجلس الشعب واحترام القضاء, ومفاوضة رموز المعارضة حتى تلك المحظورة منها مثل جماعة الإخوان المسلمين, وهي إجراءات من الواضح أنها لم تُرض الشعب الذي يعلم يقينا أن الاصلاح مرتبط بشخص مبارك او بالأحرى بتغييره, وتغيير الشخوص حوله لا يعني كثيرا ولا قليلا, لكنها على الأقل شارة بدء أن الربيع في القاهرة بدأ يزهر.
على الجانب الآخر من الوطن العربي, وفي قلب المغرب العربي, في تونس التي تشغل من المغرب العربي موقع القلب وحتى شكله, ذلك المغرب العربي الذي حصل على حريته بالثورات الحقيقية على الطغيان في ليبيا عمر المختار, وجزائر الأمير عبد القادر, هناك حيث عرفوا يوما طعم الحرية الحقيقية وثمنها الذي دفعوه دماً, فلم تأتهم حرياتهم منحة وتفضلا من حاكم أو مستعمر, كانت البداية, وأزهر ياسمين تونس, فعبقت ريحه في كل أرجاء الوطن العربي وأنعشت قلوب كل المظلومين والمقهورين, هناك عاد الياسمين للذبول, وبدأ ربيع تونس ينقلب خريفا, وخشيتي على تونس أصبحت تفوق فرحي بمصر. فبعد أن وصل (المندوب السامي) الأمريكي عارضا خدماته, حدث ما لا يطمئن, فوزراء العهد البائد بإذن الله بدؤوا يتراجعون عن نيتهم الاستقالة إذا ما أصر الشعب عليها, والجيش الذي انسحب من الشوارع, عاد وأفسح المجال لقوى الأمن لتعود إلى القمع والظلم والبطش, والحكومة التي لم تصبح حكومة بعد بدأت بتلفيق الأكاذيب واتهام المواطنين بأنهم لا يعتصمون من أجل بناء وطنهم بل من أجل نهبه وتخريبه, وعاد صوت الرصاص الذي غاب مع غياب بن علي يسمع في شوارع تونس ويئز فوق رؤوس التونسيين, وإذا لم يعاود (التوانسه) تحركهم فإن ربيع تونس الذي انقلب خريفا بسرعة, قد يصبح شتاء تخيم ثلوجه عليهم عقودا أخرى.
يا بني أمتي.. اصبروا وصابروا واحذروا, فعثرتكم سقوط لنا, وخنوعكم موتنا, ونحن بالكاد بدأنا نشعر بالحياة... | |
|