لا شيء يرتقُ ثقب العيش «الكاحت» ويستر عورة ضعفنا سوى خيط الذاكرة الأخضر..
***
لم
ينجلِ لون الحمرة من ذاكرتي بعد.. فالربيع أحمر،والعشب متواطىء، والشمس
غير آمنة، هكذا أتخيّلهم جميعاً كلما بدأ نيسان وتمدد على سجادة الوقت..
قبل
اثنين وثلاثين عاماً، اقتادني والدي الى حاكورتنا المكتظة بالزيتون
والرمان والقطط،كان سياجها منخفضاً «بلوك عشرة» وبعض أجزائه مكشوفة وغير
مكتملة، يتوسط الحاكورة «خارج « مسقوف بالخشب الخفيف والتربلاي» يؤمّه بعض
المتنزّهين على خطوط «ابريق الوضوء» - البيت الشرقي وبالعكس..
في
ذلك اليوم النيساني بدت الأرض رطبة وكريمة، قدماي تغوصان بأعشاب طويلة
ومرتوية ، يتسلق ردن ثوبي الأبيض دود الربيع البني ذو الفرو الفاخر، حتى
الحولزان كان جريئاً ولا يهاب المارين ابداً،لا يتحرك لكنه لا يختبئ، يقف
معلقاً بين قساوة بيته وقساوة السياج الى مالا نهاية..
أفرط أبي في
دلالي في ذلك اليوم لأسباب كنت أجهلها، فقد قطّع لي «دريهمة» و»خرفيش»
و»قطميز» و»كريشة الحية» و»مرار»، و»خبيزة» و»رشاد» وعرفني عليها جميعاً
حسب النكهة وحسب بيئة النمو..وكان يأمر أحد الأخوة بين الفينة
والأخرى..بضرورة تصويري واقفاً وجالساً و»مقرمزاً» بين العشب محاطاً دائماً
بين يديه.
قلت أن الربيع أحمر، والعشب متواطىء، والشمس غير
آمنة..لأنهم جميعاً انقلبوا على ألوانهم فجأة وسلموني «للمطهّر»... بمجرّد
ان «زمّر أبو قاسم « من ماتوره معلناً الوصول..حتى حملني والدي بين يديه
وزرعني على «وسادة» صلبة أمام حقيبة الرجل المنتفخة بأدوات الألم، سألته
وهو يركض بي نحو المضافة عن عشبة كانت بيدي: «هاظ خرفيش يابا»...»فأجابني:
(انطزّ ولك..بلا خرفيش بلا بطيخ).. رفع دشداشتي البيضاء الى خصري
العارِ...رد شماغه الى ظهره، ترك مقصّ»المطهر» يلون عشب نيسان بالدم والوجع
والدمع...متناسياً ما كان بيننا قبل قليل، من «عيش وخرفيش وقطميز»وكاميرا
«كانون»..
***
في هذا العام، داهمتنا الثورات العربية
كمنخفضات جوية مفاجئة، جعلت نيساننا ينتصف ونحن مختبئون خلف الشبابيك،
معلقون بين خبرين عاجلين وذاكرتين يابستين إلى مالا نهاية..
***
«مطهّر
الشعوب» يطوف على ماتوره بين الدول تباعاً..فهذه سنة الحرية...فمن أراد ان
«يختن»حريته و»يتطّهر»..عليه أن يؤمن بأن الربيع أحمر.
ahmedalzoubi@hotmail.comاحمد حسن الزعبي