المكذبين بالقضاء والقدر

باب في هجر المكذبين بالقدر والتغليظ عليهم


(38)- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لكل أمة مجوس، ومجوس أمتي الذين يقولون: لا قدر، إن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم)، (وعنه بلفظ آخر) (1)عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن لكل أمة مجوساً، وإن مجوس أمتي المكذبون بالقدر، فإن ماتوا فلا تشهدوهم وإن مرضوا فلا تعودوهم) (1) .
* سند الحديث:
ثنا أنس بن عياض ، ثنا عمر بن عبد الله مولى غفرة، عن عبد الله بن عمر .
* شرح الحديث:
(لكل أمة مجوس..): المجوس: أمة من الناس، وهم أكثر أهل فارس من العجم، وكانوا يعبدون النار من دون الله عزّ وجلّ، وهم وثنيون يعبدون النار قبل الإِسلام، ومنهم من مكث على عبادة النار إلى اليوم.
(ومجوس أمتي الذين يقولون: لا قدر..): وجه المشابهة بين المجوس و القدرية أن القدرية يقولون: ما سبق من الله تقدير في الحوادث، و المجوسية يقولون: لا إله يصرف في الحياة.
(يقولون لا قدر): أي: يقولون: إنه لم يسبق من الله قدر سبحانه وتعالى.
(إن مرضوا فلا تعودوهم): أي:. لا تشهدوا جنائزهم، ولا تصلوا عليهم، ولا تشيعوا جنائزهم.
وهذا فيه درس بأن المبتدع لا تشيع جنازته، ولا يُصلى عليه، ولا يذهب معه.
والسلف الصالح كان لهم في ذلك مواقف مع المبتدعة، ولذلك ألفوا في بعض الفصول باب هجر أهل البدع.
وقال ميمون بن مهران أحد التابعين الأخيار: لا تجرب نفسك في ثلاث: لا تسمع لمبتدع، ولو قلت: أرده عن دينه، ولا تخلوا بامرأة وتقول: أعلمها القرآن، ولا تدخل على سلطان ولو قلت: أنصحه.
ولكن أهل العلم قالوا: لا بأس بمجادلة المبتدع بشرطين:
الأول: أن يكون الإنسان واثقاً من علمه.
الثاني: أن يعرف من المبتدع أنه إذا سمع الحق عاد عن بدعته وتمسك بالحق.
وقال سفيان بن عيينة : صاحب المعصية يتوب وأما صاحب البدعة فلا يتوب.
قال ابن تيمية : معنى ذلك: أن صاحب البدعة مزين له عمله، وإلا فقد يتوب.
قال تعالى: ((أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا)) فهذا صاحب البدعة يرى أنه على حق، والبدعة عند أهل السنة قسمان: مكفرة ومفسقة، غليظة وخفيفة.
(39)- وعنه (1) أيضاً قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (سيكون في هذه الأمة مسخ، ألا وذاك في المكذبين بالقدر والزنديقية) (1) .
* سند الحديث:
ثنا قتيبة ثنا رشدين ، عن أبي صخر حميد بن زياد عن نافع ، عن ابن عمر .
* شرح الحديث:
(الزنديقية..): الزنديق بكسر الزاي، هو: من لا يؤمن بالآخرة وبالربوبية، أو من يبطن الكفر ويظهر الإيمان، جمعه: زنادقة.
والاسم: الزندقة، ورجل زنديق، وزندقي: شديد البخل، قاله في القاموس .
وتنسب الزندقة إلى رجل فارسي، يسمى: زندويه ، وهذا الرجل أتى بالزندقة، والزندقة: مذهب إلحادي، ينفي الربوبية تماماً، مثل الشيوعية الآن و الماركسية، وهو يختلف عما كان عليه مشركوا مكة فقد كانوا يثبتون الربوبية، أما الزندقة فتنفي ذلك.
وظهرت الزندقة ظهوراً بيناً في عهد الخليفة العباسي المهدي، حيث كان الزنادقة يبطنون الكفر ويظهرون الإيمان، فتتبعهم بالسيف فقتلهم قتلاً ذريعاً، وهذا من حسناته في التاريخ، ومن الزنادقة فلاسفة مثل ابن الراوندي وغيره، كانوا محسوبين على الإسلام، عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، أظهروا مساندة اليهود ونقضوا الشرائع، وألف ابن الراوندي كتاباً سماه: الدامغ ، يدمغ به القرآن الكريم.
(سيكون في هذه الأمة مسخ): المسخ: تغير الصور.
ووقع المسخ في الأمم الماضية؛ فمسخ الله عزّ وجلّ اليهود أو من كذب منهم قردة وخنازير، يقال: مسخت الشيء إذا غيرته عن مكانه.
ويقال: نسخت ومسخت، قالوا: المسخ: التغيير بغير إزالة، أي: بغير نقل إلى مكان.
والنسخ: التغيير مع نقل الموجود إلى مكان آخر.
يقال: مسخت الكتاب: أي: غيرت معالمه، ونسخت الكتاب: أي: نقلته من مكان إلى مكان آخر.