السبيل للاعتصام بالكتاب والسنة
للاعتصام بالكتاب والسنّة ثلاثة طرق:
[]أولاً[]: تدريسها، وتعليمها، وتقريرها في مدارسنا، وجامعاتنا ومعاهدنا، وقيام الدعاة ببثّها بين الناس، وإعادة الناس إلى المشرب الأول: مشرب محمد صلى الله عليه وسلم.
ثانياً: العمل بها، وتطبيقها في دنيا الواقع، وعلى السلوك، وعلى الهدي.
ذكروا عن المروزي الإمام محمد بن أسلم، أو غيره أنهم قالوا عنه: ما قرأ حديثاً من حديث العمليات إلا عمل له.
وقيل عن الإمام أحمد أنه كتب المسند أربعين ألف حديث بالمكرر فقال: ما من حديث مما يعمل به إلا عملت به.
قال له بعض تلاميذه: وحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم جلس في الغار ثلاثة أيام؟
قال: جلست في غارٍ بـالكرخ ثلاثة أيام يوم فتنة القول بخلق القرآن!
وابن عمر يأتي بناقته في المشاعر في منى ومزدلفة فيدور بها.
قالوا: ما لك؟
قال: لعل خُفّاً أن يوافق خُفاً من خفّ ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا من شدة الحرص على اتباع السنة، وإلا فالأمور العامة ليست مطلوبة؛ لأنها تسمّى عند أهل العلم أموراً اتفاقية، مثل أن الرسول صلى الله عليه وسلم دخل المدينة يوم الإثنين فهذا اتفاق.
ومثل أن الرسول صلى الله عليه وسلم أكل أكلة في الضحى، أو خرج من مكة من أعلى مكة ، فكلها أمور اتفاقية.
قال ابن تيمية في ذلك: كان عمر أعرف بالسنة من ابنه، فـابن عمر كان يصلي عند الشجرة التي صلّى عندها صلى الله عليه وسلم، في صحيح البخاري .
وأما عمر فنهى عن الصلاة عند هذه الشجرة وقال: إذا أتت أحدكم الصلاة فليصل وإلا فليذهب.
فـعمر كان أبصر وأعلم.
ففرق بين الأمر الاتفاقي العام، وبين الأمر المسنون الذي ورد عنه صلى الله عليه وسلم، ومقصودٌ به الاتباع فليعلم ذلك.
ثالثاً: تبليغ الكتاب والسنّة للناس كما قال صلى الله عليه وسلم: (بلّغوا عني ولو آية) (1) ، وتبليغها للناس سهل.
في سنن أبي داود (1) أن عثمان رضي الله عنه توضأ ثم قال للناس: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ.
وهذا تطبيق عملي أمام الناس يسهّل عليهم العلم والسنن.
يمكن أن يُلقي الإنسان محاضرات، لكن ليس فيها امتثال، ولا تطبيق، ولا روح، فلا تنفع، بينما لو طبّق مسألة واحدة، أو صلّى أمام الناس، أو توضأ أمامهم، كما يفعل صلى الله عليه وسلم بأصحابه، لكان أجدى وأنفع.
وهذا عهد من الله وميثاق أخذه على طلبة العلم: ((وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ))، ((إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)).
هذا درس الاعتصام بالكتاب والسنة، وأحسن من كتب عن هذا الموضوع: الشاطبي في كتاب الاعتصام لمن أراد أن يتوسع، وشيخ الإسلام في المجلد العاشر والحادي عشر، ومجلد الجهاد من فتاويه ، وابن القيم في مثل: زاد المعاد ، والإمام البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة ، والقرطبي وغيرهم من أهل العلم كتبوا كتابات جيدة ومفيدة يحسن الرجوع إليهم فيها وفي تقريرها.
والله أعلم، وصلّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم.