البكاء هو لغة الطفل الصغير، وطريقته في الحوار والتواصل مع الآخرين، والتعامل الصحيح مع الطفل يستدعي فهم هذه اللغة وفك
شفرتها
بالتعرف على مغزاها وأهدافها وسببها، فللبكاء أسباب كثيرة ومتعددة،
والوصول إلى السبب يستدعي إرهاف الحواس وأحيانًا الاستعانة بطبيب الأطفال.
فيما يلي سنحاول فك شفرة بكاء الطفل من خلال نغماته؛ فهناك تقسيم عام لأنواع البكاء الأساسية، والتي تختلف في حجم الصوت
ونوع
اللحن، ويجب على كل أم أن تتدرب على التفريق بينها، وحينها ستعرف السبب،
وإذا عُرِفَ السبب بطل العجب واتضح الدور المطلوب من الأم نحو طفلها:
1- بكاء الألم
وهو يتميز بالصوت العالي الصاخب المستمر المزعج، وهو بكاء يقطع القلب، ويؤثِّر في مشاعر السامع بقوة، ولا تجدي معه أية
محاولات للتهدئة إلا بإيقاف الألم، كأن يكون مغصًا أو بسبب كثرة الرضاعة وإتخام الأمعاء بكمية كبيرة من اللبن، والتي تسبِّب
المغص والانتفاخ، ويجب التفريق بينه وبين بكاء الجوع بالتعرف على نغمته ونظامه، أو يكون الألم بسبب مرض من الأمراض،
ويتم التعرف عليه بفحص الطبيب؛ ولكني أشير هنا إلى بعض الأمور الشائعة؛ مثل التهاب الأذن الوسطى أو وجود فتق إربي (وهو
نزول جزء من الأمعاء في كيس الخصية)، وغير ذلك من الأمراض التي يتم التعرف عليها بالفحص الطبي
.
قلق الأم ينعكس على سلوك الطفل:
هرمونات الانفعال تفرز في اللبن وتسبِّب الاضطراب والصراخ للطفل، نعم أنت أم جديدة، والتعامل مع الطفل وتغيُّر كافة الظروف
والأحوال يمثِّل ورطةً في البداية، وخاصةً إذا ضممنا إلى ذلك نقص الخبرة والتي تمثل قلقًا زائدًا لدى كل أم جديدة.
والقلق
ينعكس على الطفل بمزيد من القلق والصراخ، وقد تدور الأمور في حلقة مفرغة:
بكاء الطفل- قلق الأم- مزيد من بكاء الطفل- مزيد من قلق الأم وهكذا.
وصف الموجات الصوتية لبكاء الألم: هو عبارة عن:
|
بكاء الألم
|
- لهاث داخلي يتبع بصرخة عالية.
- هذا البكاء يأخذ كل التنفس ثم يبقى صامتًا حتى يلهث ثانيةً.
2- بكاء الجوع
وهو يتميز بالصوت العالي المتقطع ولا تُجدي معه محاولات التهدئة إلا بالتغذية.
وصف الموجات الصوتية لبكاء الجوع:
|
بكاء الجوع
|
- ارتفاع ثم هبوط منتظم.
- تنفس ثم توقف.
- طلب دون يأس.
3- بكاء التذمر
وهو صوت انتحاب وأنين في الغالب؛ يستعمله الطفل أولاً كبداية هادئة للمطالبة أو الشكوى، وفي حالة عدم الاستجابة يضطر الطفل
إلى
التصعيد للأنواع الأخرى من البكاء؛ في هذا النوع من البكاء إنه لا يقول
(أنا في كارثة)، أو (جائع)، بل يقول (أنا لا أبدو سعيدًا الآن).
وهو يتميز بصوت أخفض ومتقطع على مسافات أكبر من مسافات بكاء الجوع، يزول بإزالة السبب الذي تذمر الطفل من أجله؛ كأن
يكون مبللاً ويحتاج إلى الغيار أو يكون متذمرًا من الوحدة، فيسكت حينما يُحمل ويُحتضن ويُربَت على جسده، وأن نسمعه أصواتَ
الهدهدة، أو يكون الطفل مربوطًا باستعمال ما يسمى بالقماط أو ملفوفًا بملابس زائدة أو يحتاج إلى نظافة جسده بالاستحمام اليومي
صيفًا،
أو يومًا بعد يوم شتاءً، أو انسداد أنف الطفل الذي يجعله لا يستطيع التنفس
بشكل جيد ويعوقه عن الرضاعة المستمرة والنوم أو.. أو.. ولا يسكت الطفل عن
تذمره إلا بإزالة السبب.
والطفل كثير البكاء يرجى له مستقبل باهر فهو لا يهمل مطالبه بل يلحُّ في الضغط والتأثير حتى يحقِّق مقصوده، "فلا يضيع حق
وراءه مطالب"؛ بعكس الساكت الكسلان الذي يضيع حقوقه، ولا يجيد التأثير في الآخرين.
وصف الموجات الصوتية لبكاء التذمر:
|
بكاء التذمر
|
- أخفض حجمًا ولحنًا.
- يتذبذب للأعلى والأسفل.
- له ذيل أو ذنب في آخره.
- وهذا يجعله أقل إزعاجًا وتوقفه غير مفاجئ.
وهذا رسم تخطيطي للتفريق بين أنواع البكاء الثلاثة بالمقارنة بين الحجم واللحن للأمواج الصوتية الصادرة عن كل نوع:
|
رسم تخطيطي للتفريق بين أنواع البكاء الثلاثة
|
الأعلى من فوق هو بكاء الألم، يليه بكاء الجوع، ثم بكاء التذمر في الأسفل:
* بكاء الألم هو الأعلى صوتًا ويليه بكاء الجوع ثم بكاء التذمر.
يبقى هناك نوع آخر من البكاء هو :
4- بكاء الغضب
وهو نوع من البكاء لا يشبه أي نوع من الأنواع الثلاثة الأساسية، إنه زمجرة ساخطة وكأنه يقول (أريدها)، (لا تفعلي)، (عودي إليَّ).
إرهاف الحواس
وعلى الأم أن ترهف حواسها وخاصةً حاسة السمع؛ حتى تستطيع التعرف على سبب البكاء، ومن خلال الممارسة والتكرار تستطيع
أن تكون خبيرةً مع الوقت، فحينما تلتقط صوت البكاء تقول هذا جوع، أو هذا ألم، أو هذا مغص، أو هذا تذمُّر واحتجاج، وهكذا.
والمرأة في مجال تمييز الأصوات أكثر قدرةً وأروع أداءً من الرجل؛ فما على الأم أو المتعامل مع الطفل إلا أن يرهف حواسه على
ضوء ما قدمنا وبإذن الله سيصبح خبيرًا بعد حين.