السلام عليكم ورحمة الله وبركآته
إن من أهم السجايا الحميدة , التي ينبغي أن تسود بين أفراد المجتمع هو حسن
الظن بالناس , لأن الله تعالى يقول :" يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً
من الظن إن بعض الظن إثم " [ الحجرات :3] , ولأن سوء الظن بالناس من
الكبائر الباطنة , وهو مما يذم به العبد لأن ذلك قد يدفعه إلى احتقار الناس
وعدم القيام بحقوقهم , والتواني في إكرامهم وإطالة اللسان في أعرضهم وكل
هذه من المهلكات .قال عليه السلام :" إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث "
متفق عليه
عن كعب بن مالك . قال : لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة
قط , إلا في غزوة تبوك .. الحديث وفيه " ولم يذكرني رسول الله صل الله
عليه وسلم – حتى بلغ تبوك فقال وهو جالس في القوم بتبوك :" ما فعل كعب بن
مالك ؟" قال رجل من بني سلمة يا رسول الله حبسه برداه والنظر في عطفيه (
أي جانبيه , وهو إشارة إلى إعجابه بنفسه ) , فقال له معاذ بن جبل : بئس ما
قلت والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيراً , فسكت رسول الله "
البخاري ومسلم
إن الإنسان العاقل يحمل الأقوال والأفعال على أحسن المحامل ما وجد إلى ذلك
محملا , عن سعيد بن المسيب قال : كتب إلي بعض إخواني من أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم أن ضع أمر أخيك على أحسنه مالم يأتك ما يغلبك , ولا
تظنن بكلمة خرجت من امرئ مسلم شراً وأنت تجد لها في الخير محملا.
إن الشخص الذي ديدنه سوء الظن بالناس هو إنسان موهوم .. يرى دخان بدون نار ,
إن ضحك له إنسان ظن أنه يتهكم به , وإن مازحه إنسان ظن أنه يسخر منه , وإن
زاره إنسان في بيته ظن أنه يريد به مكروهاً , وإن قدم له طعاماً أو شراباً
ظن أنه مليء بالسم , وإن بالغ أحد في تحيته وإكرامه ظن أنه يخادعه ..
وبالجملة فإن صاحب هذا الخلق مصاب بنقص مركب خطير .. فهو يتوقع الشر من
الأخيار , ويتوهم الأذى حتى من أقرب الناس له .
وكم لسوء الظن من عواقب وخيمة , وكم له من أضرار بالغة , كم له من أثر بغيض
مذموم , لأن صاحبه لا يمكن أن يصفو له عيش , أو تقر له عين , أو ينعم له
بال , لأنه ينام على فراش من الجمر , ويمشي على طريق من الشوك , ويتنفس في
جو مليء باللهب والدخان , يحمل سر شقائه في قلبه ,ويكن سبب بؤسه في صدره .
ولو أنه أحسن الظن بالناس وترك وسوسة الشيطان , وانشغل بنفسه عن سواه لكن
أفضل عند الله وعند الناس ولنفسه كذلك .
روى أبو قلابة قال : إذا بلغك عن أخيك شيء تكرهه فالتمس له عذراً , فإن لم تجد له عذراً فقل : لعل له عذراً لا أعلمه .
وليس معنى ذلك أن نسرف في حسن الظن بالناس , فنأمنهم على أموالنا بدون
كتابة ولا شهادة أو نمكنهم من أعراضنا بدون خوف ولا حذر , أو نطلعهم على
أسرارنا بدون تحفظ ولا احتياط .. فتلك هي الغفلة التي ينهى الإسلام عنها ,
وتلك هي السذاجة التي يبرأ الدين منها , وذلك هو الغباء الذي يترفع عنه
عاقل رشيد " يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم "[ النساء : 71] , ولكن معنى
ذلك ألا نتسرع في الحكم على إنسان قبل معاملته , وألا نتعجل في نسبته إلى
الخيانة والتجريح بدون دليل ولا برهان .
قال حمدون : إذا زل أخ من إخوانكم فا طلبوا له سبعين عذراً فإن لم تقبله
قلوبكم فاعلموا أن المعيب أنفسكم حيث ظهر لمسلم سبعون عذراً فلم تقبله .