السابقون الأوّلون

السابقون الأوّلون
المصدر:د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

السابقون الأوّلون 1576344317

لم تشهد البشرية أمةً مثل الصفوة المختارة من الرعيل الأول
لهذه الأمة المحمدية، التي شهد لها خالقها بالكمال في نوع الرجال، وعظيم
التضحية في القتال، وكمال النزاهة في الأموال، وبالغ الصدق في الأقوال
والأفعال، وشهدت البشرية أنه لا يوزن بمثلها أحد، ولم يأتِ الدهر بأشباهها
إلى الأبد، إنها الأمة التي قال عنها المولى عز وجلّ: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى
نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدلُوا تَبْدِيلاً}، هذه الأمة
التي تكونت من الرجال والنساء الذين بايعوا رسول الله ورضي الله عنهم
ورضوا عنه، وأعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار، هي الأمة التي اصطفاها
الله تعالى لنبيه، كما اصطفاه برسالته وخُلته، فقد روى أحمد في مسنده عن
عبادة بن الصامت: أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقدوا رسول الله
صلى الله عليه وسلم، وكانوا إذا نزلوا أنزلوه وسطهم، ففزع الناس، فظنوا أن
الله قد اختار له أصحاباً غيرهم، قال: وإذا نحن بخيال رسول الله صلى الله
عليه وسلم، فكبرنا حين رأيناه، وقلنا: يا رسول الله، أشفقنا أن يكون الله
اختار لك أصحابا غيرنا، فقال: «أنتم أصحابي في الدنيا والآخرة»، هكذا كان
تعلقهم برسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ خافوا أن يستبدل الله بهم غيرهم،
ظنا منهم أنهم لم يعودوا أهلا لذلك التشريف الذي شرفهم الله تعالى به، حتى
طمأنهم المصطفى بأنهم منه وهو منهم في الدنيا والآخرة، وقد كان يدعو
فيقول: «اللهم أمضِ لأصحابي هجرتهم، ولا تردهم على أعقابهم». ويقول في
الأنصار: «الأنصار شعار والناس دثار». ويقول: «اللهَ اللهَ في أصحابي، لا
تتخذوهم غَرَضاً بعدي، فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم،
ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله فيوشك أن
يأخذه».
هكذا يقرر صلى الله عليه وسلم معادلة عقلانية لا يمتري فيها عاقل، وهي
أن من يؤذي أصحابه فإنه يؤذيه؛ لأنه يتأذى بأذيتهم، كما يسر بمسرتهم، وقد
قالت العرب: لا يكرم المرء حتى يكرم خليله؛ لأنه لم يتخذه خليلا إلا
لنزاهته وصدقه ومحبته، وبعد تمحيصه، فكيف يزعم مؤمن أنه يحب الله ورسوله،
ثم يضمر البغض ويُسمع الأذى لأصحاب نبيه، وهم الذين أسدوا معروفا بإيصال
هذا النور إلى الناس، وهدى الله لهم، فهل وصل هذا الدين إلا بجهدهم وجهادهم
وتضحيتهم؟ حتى إنهم باعوا أنفسهم لله، وشروا الدار الآخرة بالنفس والمال
والعيال، فيا ترى أيكونون بعد ذلك أهلا للغض من شأنهم وانتقاص حقوقهم؟!
فأين مجازاتهم على إحسانهم؟ وأين شكرهم على معروفهم؟ وأين الوفاء لهم على
تضحيتهم؟ وهذه أمور لا مِرية في وجوبها عند عقلاء البشر، فماذا يريد من
يأتي إلى هذه الصفوة المختارة التي أثنى الله تعالى عليها أيما ثناء في
محكم كتابه وعدلها بنفسه، وزكاها في قرآنه، أيريد أن يكذب الله ورسوله؟!
ولقد قال أهل العلم: إذا رأيتَ الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله صلى
الله عليه و سلم، فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول عندنا حق، والقرآن حق،
وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا، ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح أولى بهم.